تذكّر؛ الصهاينة عدو أبدي للمسلمين!
في الحقيقة اخترت أن أكتب هذه الورقة حول موضوعة جديدة، يعتبر ظهورها نتيجة من نتائج الثورة الرقمية التي يشهدها العالم المعاصر، وهي موضوعة الجهاد الإلكتروني، التي بدأت تطفو على الواقع، وقد ساهمت في ذلك العديد من العوامل، كالإساءات المتتالية التي يتعرض إليها الإسلام في الغرب، والاعتداءات الغربية على مناطق عدة من العالم الإسلامي، والعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، والحملات الإعلامية المسيئة لعادات المسلمين وتقاليدهم ورموزهم، وغير ذلك.
إن المسلمين يتعرضون اليوم إلى حرب جديدة، وهي حرب تديرها أطراف متعددة ذات هاجس موحد، هو الحد من المد الإسلامي، وتستعمل مختلف الآليات، ابتداء مما هو عسكري تخريبي، وصولا إلى ما هو إعلامي تشويهي! مما يجعل الشعوب الإسلامية توظف أي طريقة أو تقنية، من شأنها أن تدافع بها عن نفسها وحرماتها ومقدساتها، وهو دفاع ينشأ بشكل فطري وعفوي لدى المسلمين قاطبة، على اختلاف أوطانهم وأعراقهم وألسنتهم وألوانهم، ومن بين الطرائق الجديدة التي استحدثها المسلمون لدرء الأخطار المحدقة بهم، وصد الأعداء الذين يكيدون لهم كيدا، نجد المقاطعة الاقتصادية، توقيع العرائض ومخاطبة المنظمات الحقوقية العالمية من خلالها، تنوير الرأي العام الغربي بحقيقة ما يجري، الجهاد الإلكتروني، وما إلى ذلك.
وقبل الشروع في تناول هذا النوع الجديد من الجهاد، أود أن ألمح إلى مسألة من الأهمية القصوى بمكان، وذلك على سبيل التذكير الواجب والحسن، (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) الذاريات/55، ومؤدى هذه المسألة هي أن أغلب المسلمين؛ شعوبا وحكاما ومثقفين، سرعان ما ينسون أو يتناسون ما يتعرضون إليه من طرف أعدائهم، من مصائب وإساءات وقتل، وخير دليل على ذلك، هو أنه بمجرد ما تحررت الدول العربية والإسلامية من استعمار العالم الغربي والرأسمالي لها، هرعت إليه؛ فأقامت معه العلاقات والشراكات، وفتحت أبوابها لتدخلاته واستثماراته، وشجعت شعوبها على الهجرة إلى الغرب والإقامة هنالك، ولم تمض على جرائمه الاستعمارية إلا عقود قليلة أو سنون معدودات! والأمر نفسه يتكرر مع الاحتلال الصهيوني لفلسطين، الذي يتعامل معه الكثير من المسلمين بطريقة عادية، كما أنه قدر مقدر، أو أمر واقع! ولا يستيقظون من غيبوبتهم إلا عندما يشاهدون بأم عينهم الصهاينة وهم يشهرون سيف التقتيل والتنكيل في الشعب الفلسطيني الأبي، كما يحدث في العدوان الأخير على قطاع غزة. وبمجرد ما يتوقف هذا العدوان، ويعلن العدو تحقيق أهدافه الاستراتيجية، ويسحب آلياته العسكرية، تهدأ عاصفة الغضب التي تجتاح مدن وشوارع العالم الإسلامي، فيصبح هذا العدوان في خبر كان، وتصير مجازر ومذابح العدو في الفلسطينيين الأبرياء كسابقاتها من المجازر، منذ حدث النكبة إلى يوم الناس هذا، مجرد صفحة بيضاء في سجل التاريخ الصهيوني، وصفحة سوداء أو حمراء في سجل التاريخ الفلسطيني!
هكذا سوف ينسى أو يتناسى أغلب المسلمين ما حدث، رغم أن ما حدث لا يأبى النسيان! فمن كان يدعو إلى المقاطعة الاقتصادية يقبل على المنتوجات الصهيونية، بدعوى أن الحرب انقضت، أو أن المسئولين نفسهم من علماء ودعاة وسياسيين يستهلكون تلك المنتوجات، أو أنه آن زمن التعايش بين الضحية والجلاد، بين المظلوم والظالم، بين الفلسطينيين والإسرائيليين! ومن كان يجاهد سياسيا راح يهيئ نفسه للانتخابات، ومن كان يكتب شعر الثورة صار يتغزل ويهيم في ليلاه، ومن كان يدعو إلى الجهاد الإلكتروني أصبح يدمن على مواقع الألعاب والتسلية والبرمجيات المجانية..!
إن الحرب الصهيونية على المسلمين عامة، والفلسطينيين خاصة، تظل قائمة ومستمرة، وما توقف العدوان، أو إعلان الهدنة، أو طرح مبادرة جديدة للتصالح والسلام، إلا حلقة معينة من تلك الحرب ذات السلسلة الطويلة، ما دام العدو يجثم على أرض المسلمين، ويستغل خيراتهم، ويواصل حربهم إعلاميا وفكريا وسياسيا، لذلك فقد آن الأوان لأن يعي كل مسلم مسلم بعين العقل أن العدو الصهيوني يعتبر عدوا تاريخيا وأبديا للمسلمين، وأن هذه العداوة سوف تستغرق في شكل حروب عسكرية وإعلامية ومعرفية تتخللها هُدن وحيل سلمية، إلى أن ينتهي التاريخ الإنساني على الكرة الأرضية.
حكم الجهاد بين النص الشرعي والسياق الجديد
إن مصدر (الجهاد) المشتق من الجذر الثلاثي (جهد)، لا يخرج معناه اللغوي على المعنى الذي يحمله ذلك الجذر، وهو بذل الطاقة والوسع والمشقة والجد ونحو ذلك؛ يقول صاحب تاج العروس: "الجَهْدُ، بالفتح: الطَّاقَةُ والوُسْع، ويُضَمّ. والجَهْد، بالفتح فقط: المَشَقَّة. قال ابن الأَثير: قد تكرَّرَ لفْظ الجَهْد والجُهْد في الحديث، وهو بالفتح المَشقَّةَ، وقيل: المُبالغةُ والغاية. وبالضّمّ: الوُسْع والطّاقَة، فأَمّا في المَشقّة والغايةِ فالفتحُ لا غَيرُ"، وسوف تستحيل وتتطور دلالة هذه اللفظة، لا سيما في عهد الإسلام فتحيل على معنى القتال وحرب الأعداء والكفار، يقول صاحب لسان العرب: "وجاهد العدوَّ ومجاهدةً وجِهادًا قابَلَهُ في تحمُّل الجهد أو بذل كلٌّ منهما جهدهُ في دفع صاحبهِ ثم غلب في الإسلام على قتال الكفَّار ونحوهِ. ومنهُ في سورة الفرقان (فَلا تُطِعِ الكَافِرِين وَجَاهِدْهُمْ به) أي بالفرقان أي قابلهم بالاجتهاد في مخالفتهم وإزاحة باطلهم".
على هذا الأساس، فإن كلمة الجهاد تعني في أصلها اللغوي أي بذل للطاقة والمشقة والجد، لأجل القيام بأي عمل مادي أو معنوي، وقد تطور هذا الأصل اللغوي ليرتبط ببذل القوة والطاقة قصد مجابهة الأعداء والكفار.