في رحاب قوله تعالى : { ومن يتوكل على الله فهو حسبه }في سورة الطلاق أو سورة النساء الصغرى - كما تسمى - وردت
أربع آيات كريمة ، ربطت بين الفعل والجزاء ، ورتبت النتيجة
على
أسبابها ومقدماتها ؛الآية الأولى ، قوله تعالى: { ومن يتق الله يجعل
له مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب } (الطلاق:2-3)
والثانية ، قوله سبحانه: { ومن يتوكل على الله فهو حسبه }
(الطلاق:3) والثالثة، قوله عز وجل: { ومن يتق الله يجعل له من
أمره يسرًا } (الطلاق:4) والرابعة، قوله تعالى: { ومن يتق الله
يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرًا } (الطلاق:5)
ولنا مع هذه الآيات بضع وقفات:
الأولى : أن الجزاء في ثلاث من هذه الآيات رُتب على تقوى الله ؛
وتقوى الله في معهود الشرع ، فعل ما أمر الله به واجتناب ما نهى
عنه، وهي رأس الأمر كله ، وفي وصية رسول الله صلى الله عليه
وسلم لبعض صحابته ، قوله عليه الصلاة والسلام : ( اتق الله
حيثما كنت ) رواه أحمد و الترمذي ، وقال: حديث حسن صحيح .
الثانية : جاء قوله تعالى : { ومن يتوكل على الله فهو حسبه }
تكملة لأمر التقوى ؛ فإذا كانت تقوى الله سبب لتفريج الكربات ،
ورفع الملمات، وكشف المهمات ، فإن في توكل المسلم على ربه
سبحانه ، ويقينه أنه سبحانه يصرف عنه كل سوء وشر، ما يجعل
له مخرجًا مما هو فيه ، وييسر له من أسباب الرزق من حيث لا
يدري؛ وأكد هذا المعنى ما جاء في الآية نفسها ، وهو قوله تعالى :
{ إن الله بالغ أمره } أي : لا تستبعدوا وقوع ما وعدكم الله حين
ترون أسباب ذلك مفقودة ، فإن الله إذا وعد وعدًا فقد أراده ، وإذا
أراد أمرًا يسر وهيأ أسبابه .
وقد وردت عدة أحاديث تشد من أزر هذا المعنى ؛ من ذلك ما رواه
أبو ذر رضي الله عنه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم:
( إني لأعلم آية لو أخذ بها الناس لكفتهم ، ثم تلا قوله تعالى: { ومن
يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب } فما زال
يكررها ويعيدها ). رواه أحمد و الحاكم وغيرهما .
وروى الإمام أحمد في "مسنده" عن ثوبان رضي الله عنه ، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن العبد ليحرم الرزق
بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا
البر ) .
الثالثة : أن الله سبحانه وعد عباده المتقين الواقفين عند حدوده ، بأن
يجعل لهم مخرجًا من الضائقات والكربات التي نزلت بهم ؛ وقد شبَّه
سبحانه ما هم فيه من الحرج بالمكان المغلق على المقيم فيه ، وشبَّه
ما يمنحهم الله به من اللطف وتيسير الأمور، بجعل منفذ في المكان
المغلق ، يتخلص منه المتضائق فيه .
الرابعة : في قوله تعالى سبحانه : { من حيث لا يحتسب } احتراس
ودفْعٌ لما قد يُتوهم من أن طرق الرزق معطلة ومحجوبة ، فأعْلَم
سبحانه بهذا ، أن الرزق لطف منه ، وأنه أعلم كيف يهيئ له أسبابًا ،
غير مترتبة ولا متوقعة ؛ فمعنى قوله تعالى : { من حيث لا
يحتسب } أي : من مكان لا يحتسب منه الرزق ، أي لا يظن أنه
يُرزق منه .
الخامسة : تفيد الآيات المتقدمة ، أن الممتثل لأمر الله والمتقي لما
نهى الله عنه ، يجعل الله له يسرًا فيما لحقه من عسر؛ واليسر انتفاء
الصعوبة ، أي : انتفاء المشاق والمكروهات ؛ والمقصود من هذا
تحقيق الوعد باليسر، فيما شأنه العسر .
السادسة : في قوله تعالى : { ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم
له أجرًا } أعيد التحريض هنا على التقوى مرة أخرى ، ورتَّب عليه
الوعد بما هو أعظم من الرزق ، وتفريج الكربات ، وتيسير
الصعوبات، وذلك بتكفير السيئات ، وتعظيم الأجر والثواب .
وبعد : فإن للتقوى أثرًا أي أثر في حياة المؤمن ، فهي مفتاح كل
خير، وهي طريق إلى سعادة العبد في الدنيا والآخرة ، يكفيك في
ذلك، قول الله عز وجل: { ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا
عليهم بركات من السماء والأرض } (الأعراف:96) وكان من
دعائه صلى الله عليه وسلم: ( اللهم إني أسألك الهدى والتقى
والعفاف والغنى ) رواه مسلم ، نسأل الله أن يجعلنا من الملتزمين
بشرعه ، ومن المتقين لأمره ونهيه .